الإشاعة:
“أكتر ناس بتنتحر بيكونوا من السويد بسبب الرفاهية الزائدة اللي عايشين فيها”.. كثيرًا ما اخترقت هذه المعلومة عقولنا حتى أصبحت مع الوقت أمرًا مسلّمًا به، حيث تستخدم في سياق إقناع الآخرين بضرورة الرضا والقناعة، والتأكيد على فكرة أن المال ليس كل شيء، لكن هل فكرت يومًا حول مدى صحة هذه المعلومة؟!
الحقيقة:
- بدأ انتشار هذه المعلومة عام 1960 من الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا من رئيسها في ذلك الوقت دوايت أيزنهاور، الذي شهدت فترته الرئاسية تقدمًا اقتصاديًا ملحوظًا، وكان أيزنهاور كثيرًا ما يقدم الخطب الحماسية للشعب، وفي إحدى خُطبه عام 1960، قال: “المعاصي، والتعري، والسكر، والانتحار، كلها موجودة في السويد بسبب الرفاهية الزائدة”، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه المعلومات شائعة ومتداولة عن مملكة السويد.
- كان أيزنهاور مُحقا في كلامه وقتها، فمعدلات الانتحار في السويد في ذلك الوقت كانت بالفعل أعلى منها في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها بالتأكيد لم تكن بسبب الرفاهية الزائدة.
- نسبة الانتحار في السويد عام 1960 كانت حوالي 16 شخصًا من كل 100 ألف، واستمرت هذه النسبة بالصعود حتى أوائل السبعينيات ومن ثم بدأت بالانخفاض بعد ذلك، ووصلت إلى حوالي 11.7 شخصًا من كل 100 ألف في عام 2016 بحسب التقارير والإحصائيات الرسميّة لمنظمة الصحة العالمية، والمُلاحظ هنا أن النسبة قلّت تقريبًا بـ 4 أشخاص لكل 100 ألف.
- أما نسبة الانتحار في أمريكا فكانت 11 شخصًا من كل 100 ألف شخص تقريبًا، أما اليوم، فقد وصلت النسبة إلى 13.7% عام من كل 100 ألف شخص في عام 2016، أي أن النسبة ارتفعت عمّا كانت عليه، وهي أكبر من النسبة الحالية للسويد.
- أحد الأمور المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، أن عدد سكان السويد في عام 1960 لم يكن يتجاوز 8 ملايين فرد، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية فكان التعداد حوالي 180 مليون شخصاً، وهو ما يعني أن عدد المنتحرين في أمريكا كان أكبر بكثير من نظيره في السويد، حيث حاول أيزنهاور من خلال خطابه تبرير هذه المعدلات بمقارنتها مع السويد.
- بعد سنتين من الخطاب، وتحديداً في عام 1962، زار الرئيس أيزنهاور المملكة السويدية وقدّم خطابا تخلله اعتذار على كلماته التي قالها قبل سنتين، لكن كلماته التي قالها حول المعدلات المرتفعة للانتحار في السويد لا زالت تُردد حتى اليوم.
- حسب الإحصائيات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية “WHO” لمعدلات الانتحار حول العالم عام 2016، فإن دولة غينيا تحتل الصدارة بمعدل انتحار بلغ 30.2 للجنسين من كل 100 ألف، وكذلك فإن دولاً مثل روسيا وبلجيكا واليابان وفنلندا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا قد سبقت السويد التي تحتل المرتبة 51.
- قال البروفيسور بو رونيسون، المتخصص في الطب النفسي بجامعةِ ستوكهولم السويدية، إنه من الصعب جدًا قياس وتوثيق أمور مثل نسبة الاكتئاب في المجتمعات وأسباب الانتحار لكل شخص، وأضاف أن معدلات الانتحار الموثقة في السويد هي ليست مرتفعة أصلا، بل هي متوسطة وأقل من المعدل العام للبلدان.
- بعض التقارير التي درست هذه الظاهرة أيضاً قالت بأن معظم المنتحرين هم من المهاجرين الذين قدموا إلى السويد، حيث يصطدم هؤلاء بالجو البارد جدًا للبلاد، الذي يجبر المواطنين في معظم أوقات السنة على البقاء في المنزل على عكس ما كانوا معتادين عليه في بلادهم الأم.
- كما أن هناك عددًا من الأبحاث التي درست العلاقة ما بين تغير درجات الحرارة طوال السنة ونسبة الانتحار، حيث أوضحت أن عدد المنتحرين في كل من السويد وفنلندا يصل إلى ذروته مرتين في السنة، وتحديدًا في شهري مايو وأكتوبر، وربطت هذه النتائج مع التغيرات في درجات الحرارة.
- هناك أبحاث وتقارير عديدة حاولت دراسة أسباب الانتحار في السويد، لكن لم يذهب أي منها في اتجاه أن الأسباب هي “رفاهية زائدة”.