in

إشاعة: فترة حكم “قراقوش” عُرفت بالقسوة والظلم

الإشاعة:

كثيرا ما يُطلق العرب جملة “حكم قراقوش” حال الاعتراض على وضع معين قد يشعر فيه صاحبه بالظلم أو الإجبار على فعل معين، وقد تم تداول هذا الوصف على مدار سنوات نسبة إلى “بهاء الدين قراقوش” الذي عُرف عنه أنه نموذج للحاكم القاسي الذي يفرض الأحكام على العامة فلا يسعهم إلا تنفيذها وإلا تعرضوا للعقاب، ولكن هل قصة قراقوش بالفعل مرتبطة بالظلم؟ أم أنها ككثير من القصص بها بعض التحريفات التي يقوم المجتمع بإنتاجها عبر العصور؟ هنقولك الحقيقة علشان محدش يضحك عليك.

الحقيقة:

– لم يكن “بهاء الدين قراقوش” حاكمًا، ولكن كان أحد أهم وزراء السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي واليد اليمنى له، وله باع طويل في مقاومة الصليبيين، وإسهامات جليلة في جانب كبير من إعمار القاهرة، وعلى رأسها بناء قلعة صلاح الدين الأيوبي.

–  كان قراقوش صاحب همة واسعة، حيث كان صلاح الدين يفوضه حين يتوجه إلى الشام لجهاد الصليبيين، ومع بداية الدولة الفاطمية، كان في القاهرة كثير من الأشخاص الذين يرمقون قراقوش بعين الحسد على مكانته تلك، وفي مقدمتهم ناظر النظّار الوزير الأديب والمؤرخ الأسعد بن مماتي.

– كانت العلاقة سيئة للغاية بين قراقوش وابن مماتي، فقرر ابن مماتي أن يشوه صورة قراقوش بكتاب جمع فيه فظائع مختلقة ارتكبها قراقوش بحق الفاطميين وغيرهم، وأسماه “الفاشوش في حكم قراقوش”.

– أخذ كبار المؤرخين على ابن مماتي تلك الأوصاف بحق قراقوش وانتقدوها وشككوا بها، فقال عنه القاضي المؤرخ شمس الدين بن خلكان في موسوعته “وفيات الأعيان وأنباء أبناء أهل الزمان”: “وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان معتمدا في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته، ما فوضها إليه”.

– أما ابن العماد الحنبلي في موسوعته “شذرات الذهب في أخبار من ذهب”، فقد ترجم لسيرة حياة قراقوش، قائلا: “وقد وضعوا عليه خرافات لا تصح، ولولا وثوق صلاح الدين بعقله لما سلَّم إليه عكا وغيرها، وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة”.

– حظي قراقوش أيضا بشهادة المعاصرين له، وفي مقدمتهم العماد الأصفهاني، كاتب صلاح الدين وسكرتيره الخاص، فقد ذكر مناقب قراقوش في كتابه “الفتح القسي في الفتح القدسي” فأوضح أن السلطان صلاح الدين لما استقل بالديار المصرية جعل لقراقوش زمام القصر، ثم ناب عنه مدة بالديار المصرية وفوّض أمورها إليه، واعتمد في تدبير أحوالها عليه، وكان رجلاً مسعودًا، حسن المقاصد، جميل النية، وصاحب همة عالية، فآثاره تدل على ذلك، فهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة، وكذلك القلعة.

– جاهد قراقوش أمام الصليبيين، حيث أوكل إليه صلاح الدين حماية ساحل عكا مع قدوم الحملة الصليبية الثالثة عام 585هـ، التي جاءت إلى المشرق بقيادة ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد وفيليب أغسطس ملك فرنسا، وظلت حماية عكا تدافع بكل بسالة عن المدينة الساحلية طيلة عامين، حتى دخل الصليبيون أسوارها عنوة، ووقع قراقوش في الأسر، وقُتل نحو 2700 أسير مسلم، وافتدى قراقوش نفسه بعد أن دفع 10 آلاف دينار، وقد ظل قراقوش موضع ثقة صلاح الدين وأولاده حتى توفى في مصر عام 597هـ.