استيقظ الشعب السوداني صباح يوم 15 إبريل الجاري على دوي انفجارات ورصاص في العاصمة الخرطوم، ومروي، وأم درمان، وسوبا.
ونقلت وكالات الأنباء أن السودان يشهد محاولة تمرد قد تدفع بالسودان الشقيق لبراثن الحرب الأهلية. وتصدر وسم #السودان كافة منصات التواصل الاجتماعي ومعه أخبار عن سقوط السودان لقوات المتمردين، بالإضافة لحملات موجهة في قلبها خبر تواجد كتيبة من الجيش المصري في مطار مروي..
لذا كان يجب أن نسأل…
إيه اللي بيحصل في السودان؟
السودان تشتعل بسبب تمرد من قوات شبه عسكرية “ميليشيات” تُدعى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” على الجيش بقيادة الزعيم الفعلي الفريق عبد الفتاح برهان، حيث اندلعت الاشتباكات بعد توترات بشأن الانتقال المقترح إلى الحكم المدني، شملت الاشتباكات العديد من المدن السودانية بما في ذلك مدن في منطقة دارفور.
السيطرة الفعلية على الأرض لا تزال في يد الجيش، الذي يقوم بقصف قواعد لقوات الدعم السريع، وقد طلبت القوات الجوية في البلاد من السكان البقاء في منازلهم أثناء إجراء مسح جوي كامل لمناطق نشاط القوات شبه العسكرية.
استبعدت القوات المسلحة السودانية أي احتمال للمفاوضات أو الحوار حتى حل قوات الدعم السريع شبه العسكرية، والذي أمر الجنرال برهان بحلها بالفعل مساء 15 إبريل الجاري.
أعلنت نقابة الأطباء السودانية لوكالة رويترز للأنباء إن 25 شخصاً على الأقل قتلوا، وأصيب 183 آخرون في أعمال العنف. في حين أفاد صحفي من صحيفة واشنطن بوست عن 30 قتيلاً ونحو 400 جريح، نقلا عن وثيقة للأمم المتحدة.
إذن…
الخناقة على إيه؟
الخلاف بين الطرفين يتمحور حول الجدول الزمني للانتقال الى حكم مدني بموجب الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه أواخر 2022 ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن سيقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج القوتين.
حميدتي لا يريد أن يفقد هو وميليشياته العديد من الامتيازات الخاصة بهم إذا تم تنفيذ الاتفاق وانتقلت السلطة للمدنيين. أما على الجانب الأخر أعلن البرهان في مارس الماضي إنه سيتم إدراج جيش البلاد تحت قيادة حكومة مدنية جديدة.
يشمل الاتفاق خطط ضم قوات الدعم السريع التي يبلغ قوامها 100 ألف فرد إلى الجيش في غضون عامين، بيد أن حميدتي يريد تأجيلها لمدة 10 سنوات.
كان من المقرر إتمام الاتفاق الإطاري في السادس من إبريل الجاري.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو…
كيف لتلك الميليشات ان تتحدى القوة العسكرية الرسمية في السودان وكيف وصلت لهذا الوضع؟
من هي قوات الدعم السريع؟
تشكلت قوات الدعم السريع في عام 2013 وترجع أصولها إلى ميليشيا الجنجويد سيئة السمعة التي قاتلت بوحشية المتمردين في دارفور. وتم انشائها بواسطة الرئيس السابق عمر البشير المعروف بميوله الإخوانية. منذ ذلك الحين، بنى الجنرال دقلو قوة قوية تدخلت في صراعات في اليمن وليبيا وتسيطر على بعض مناجم الذهب في السودان.
كما اتُهمت هذه القوة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك مذبحة أكثر من 120 متظاهراً في يونيو 2019 لصالح عمر البشير، لذا يُنظر إلى مثل هذه القوة خارج الجيش على أنها مصدر عدم استقرار في البلاد.
على الناحية الأخرى كان عبد الفتاح البرهان من أوائل القادة الذين انحازوا للمتظاهرين السودانيين وقاموا بعزل البشير، كما ذكرت مصادر أنه كان من بين القيادات التي أبلغت البشير بعزله من الرئاسة.
وظهر البرهان لاحقا في صفوف المعتصمين بساحة القيادة العامة، وسط هتافات تطالب بإسقاط النظام.
يتمتع البرهان بقبول شعبي وتوافق من الأطراف السياسية في البلاد، على عكس سلفه بن عوف.
ولا يُعرف عنه ميله لأي تيار سياسي أو تبنيه لتوجه بعينه، وهو ربما ما دفع البعض إلى التفاؤل في أن يعزز ذلك من فرص نجاحه في مهمته للتوفيق بين القوى السياسية المختلفة.
إذن لابد أن نسأل.. وصلنا لهنا إزاي؟
كيف اشتعل الوضع تحديدا؟
نقطة البداية في أحداث اليوم تعود ليوم الأربعاء الماضي حين نشرت قوات الدعم السريع عناصرها في مدينة مروي، مبررةً وجودها أنه استمرار لمهمتهم في “محاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات”.
ثم صدر بيان يوم الخميس، حثَّ فيه المتحدث باسم الجيش السوداني قائد قوات الدعم السريع حميدتي على سحب قواته، وحذر الجيش السوداني من احتمال حدوث اشتباكات.
ثم استمر حشد ميلشيات الدعم السريع لقواتهم إلا ان قاموا بتنفيذ خطتهم اليوم السبت.
وهنا يأتي السؤال الهام.. إحنا مع مين فيهم؟
ما هو الموقف المصري مما يحدث في السودان؟
تمتاز العلاقات المصرية السودانية بجذور تاريخية بعيدة المدى، نظرًا لما يتسم به الشعبان من تاريخ مشترك وتقارب ثقافي.
على الصعيد السياسي، مرتكزات الموقف المصري تجاه السودان، على مدار السنوات الماضية، تقوم على الإيمان بأن استقرار السودان وأمنه هو جزء لا يتجزأ عن أمن مصر القومي، فضلًا عن ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ودعم الاستقرار في السودان، والحفاظ على وحدة أراضيه، ومساندة الإرادة الحرة لخيارات الشعب السوداني في صياغة مستقبل بلاده.
كما تتميز العلاقات بين البلدين بتنوع وتعدد الملفات المشتركة التي تتطلب تنسيقًا دائمًا بين البلدين، في مقدمتها: ملف سد النهضة الإثيوبي وملف مياه النيل، وملف الأمن والاستقرار في حوض البحر الأحمر والقرن الافريقي، ومكافحة الإرهاب والتطرف، فضلًا عن تنسيق المواقف بشأن القضايا الأفريقية سواء من خلال الاتحاد الأفريقي أو الكوميسا أو المنظمات القارية والإقليمية الأخرى.
منذ اندلاع الثورة السودانية في ديسمبر 2018، لعبت القاهرة دورًا في تقريب وجهات النظر وتقليل الفجوة بين الأطراف المختلفة في السودان، حيث تقف القاهرة على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة السودانية دون الانحياز إلى طرف بعينه.
دعمت مصر الاتفاق السياسي الإطاري بشأن الفترة الانتقالية بوصفه خطوة مهمة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان، ودعم الدولة السودانية لإنجاح الفترة الانتقالية وضمان استقرار السودان.
أظهرت مصر الدعم الكامل للحكومة السودانّية الجديدة، وحرصت مصر على نقل خبراتها إلى السودان فيما يخص إدارة المرحلة الانتقالية، ودعمت مصر موقف السودان في المحافل الدولية، ودفعت نحو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
مما يعني أن مصلحة مصر مع من يحافظ على استقرار السودان ويلبي طموحات شعبه في الانتقال السلمي للسلطة كما تم التوافق عليه من خلال الاتفاق الإطاري..
وهذا الطرف هو قيادة الجيش السوداني بقيادة البرهان.
وبعد ما عرفنا إحنا مصلحتنا مع مين..
نقلق من اللي حصل النهارده في السودان ولا لأ؟
أو بمعنى أصح….
مين الكسبان على الأرض؟
للإجابة على ذلك بشكل قاطع لابد أن نقوم بتفصيل تسلسل الأحداث… علشان محدش يضحك عليك:
الساعة 10 ص: بدء اليوم ببيان من قوات الدعم السريع بأنها تتعرض لهجوم من قوات الجيش لتبرير كل ما سيحدث تاليا.
الساعة 10:26 ص: شنت قوات الدعم السريع هجومًا لمحاولة السيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقر وزارة الدفاع بالخرطوم.
الساعة 10:51 ص: تداول مقاطع مصورة لجنود من قوات الدعم السريع يعلنون سيطرتهم على قاعدة مروي الجوية في شمال السودان وما بها من قوات مصرية.
الساعة 10:45 ص: بيان من القوات المسلحة بأنها تتعرض لهجوم من قوات الدعم السريع في المدينة الرياضية ومواقع أخرى.
الساعة 10:58 ص: قوات الدعم السريع تعلن أنها كبدت قوات الجيش خسائر “فادحة” وأنها تمكنت من السيطرة على مطار وقاعدة مروي وأيضا على مطار الخرطوم.
الساعة 11:27 ص: قوات الدعم السريع أعلنت أنها سيطرت بشكل كامل على القصر الجمهوري وبيت الضيافة ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض وعدد من المواقع بالولايات، والقبض على القوة المهاجمة من الجيش.
الخبر السابق تم تداوله على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي وأعطى انطباع ان السودان أصبحت في قبضة المتمردين
الساعة 12:13م: تداول مقاطع لتنفيذ ضربات جوية للجيش السوداني على مواقع في الخرطوم.
الساعة 12:29م: بيان من القوات المسلحة بأنها تخوض معارك الحق والكرامة للسيطرة على المواقع الاستراتيجية بما فيها القصر الجمهوري والقيادة العامة ومقر السيد رئيس مجلس السيادة.
الساعة 12:39 م: القوات المسلحة تعلن إصابة قائد قوات الدعم السريع الميداني.
الساعة 12:48 م: القوات المسلحة تسيطر على أرض الخرطوم.
الساعة 1 م: القوات المسلحة استطاعت تدمير أكثر من 80 عربة لمليشيا الدعم السريع، وهروب البقية لمنطقة جبل غزالة لتحتمي بالمدنيين بمدينة مروي.
الساعة 1:02 م: ميليشيات الدعم السريع استهدفت وحرقت طائرات مدنية إحداهما تتبع للخطوط الملكية السعودية.
الساعة 1:07 م: القوات الجوية السودانية قامت بتدمير معسكر طيبة ومعسكر سوبا التابعين لمليشيا الدعم السريع
الساعة 1:15 م: القوات المسلحة تعلن هروب جنود الدعم السريع وسط غياب تام لقيادتها العليا وترك أسلحتهم في الشوارع، والبعض الآخر يحتمي بالأحياء السكنية للاحتماء بالمواطنين.
الساعة 1:22: قائد قوات الدعم السريع بولاية النيل الأبيض يُسلم جميع قواته ومعسكراته ومعداته لقيادة الجيش بالولاية، ويعلن انضمامه للقتال بجانب الجيش.
الساعة 1:32: الجيش يسيطر على قيادة القوات الخاصة لمليشيا الدعم السريع دون مقاومة.
الساعة 1:43: الجيش يسيطر على معسكر الدعم السريع بمروي بأم درمان وهروب عناصره.
الساعة 1:45 م: انقطاع البث في التليفزيون السوداني، وتداول أنباء عن سيطرة قوات الدعم السريع عليه.
الساعة 3:31 م: أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة على القاعدة الجوية جبل أولياء.
الساعة 4:05 م: أعلنت قوات الدعم السريع بسط سيطرتها على عدد من المواقع العسكرية بالفاشر، بما فيها سلاح الإشارة والسلاح الطبي ومطار الفاشر.
ثم بدأ التحول التدريجي للوضع لصالح قوات الجيش…
في الثامنة مساءا القوات المسلحة تستعيد السيطرة على محيط مبنى الإذاعة والتلفزيون بشكل كامل
في التاسعة مساءا الجيش يستعيد السيطرة على مطار الخرطوم ومقر سلاح المهندسين كما أعلن رئيس دائرة الاستخبارات بقوات الدعم السريع انضمامه للجيش
في العاشرة مساءا الجيش يعلن سيطرته التامة على محيط قاعدة ومطار مروي وينفي سيطرة الدعم السريع على القيادة العامة للقوات المسلحة. كما أعلن لواء ركن حسن محجوب الفاضل مدير مكتب قائد قوات الدعم السريع تبرئه من حميدتي وما يحدث من تمرد. وكذلك قام قائد قوات الدعم السريع بمدينة الدبة بتسليم نفسه وقواته لحامية المدينة التابعة للجيش.
في الحادية عشر مساءا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يتفقد قواته ويتجول في مناطق الخرطوم بين جنوده من سلاح المدرعات وفي نفس الوقت أعلنت الجيش السوداني سيطرته على جميع مقرات الدعم السريع بأم درمان بكامل عتادها وآلياتها.
لذا مما سبق ومن الفيديوهات التي تنشرها صفحات القيادة العامة للجيش السوداني يتبين ان الوضع في طريقه للاستقرار تحت سيطرة الجيش السوداني وتبين فرار العديد من افراد ميليشيات الدعم السريع…
كما يتبين أن قوات الدعم السريع حاولت استغلال عنصر المفاجئة والقيام بحركة خاطفة على عدة مستويات وفي عدة مدن للسيطرة على مفاصل الدولة، ثم دعم التحركات الميدانية بحملة إعلامية لنشر فكرة ان السودان أصبحت في قبضتهم للقضاء على الروح المعنوية لقوات الجيش مما يدفعهم للاستسلام. ولكن الموازين انقلبت مع تصاعد الاشتباكات وبالتدريج عادت السيطرة للجيش السوداني.
يعني من الأخر… بالنسبة للوضع في السودان..
متقلقش