الدهب رايح بينا على فين؟ تقلق ولا متقلقش؟
أسعار الذهب في صعود مستمر بقفزات غير منطقية حتى وصل سعر جرام الذهب في مصر إلى مستويات قياسية لا يراها العالم من قبل بحوالي 2700 جنيه للجرام عيار 21 الأكثر تداولا..
هذا التسعير يجعل جرام الذهب المصري أغلى من السعر العالمي للذهب الذي لا يتجاوز 57 دولار للجرام بتاريخ اليوم 27 إبريل 2023، أي حوالي 1750 جنيه إذا ما قارناه بالسعر الرسمي للدولار في مصر وهو 30.8.
وحتى لو تمت مقارنة سعر جرام الذهب بسعر الدولار في السوق الموازية أي ما يعادل 37 جنيه، فمن المفترض أيضا ألا يتعدى سعر جرام الذهب عيار 21 داخل مصر لحوالي 2100 جنيه.
فمن أين أتت الأسعار الحالية للذهب؟ وهل نحن أمام فقاعة سعرية ولابد لها أن تنفجر؟
أقوال متضاربة، وتقارير متباينة وسوق متقلب لسلعة يحسبها الكثيرون إحدى مصادر التحوط في الأزمات الاقتصادية فماذا لو كانت هي نفسها مصدر الأزمة!
يبقى بعد كل اللي بنشوفه في سعر الذهب دلوقتي.. لازم نسأل… نقلق ولا منقلقش؟
الدهب ركب الصاروخ!
في نفس الوقت الذي نرى فيه الارتفاع الجنوني لأسعار الذهب داخل مصر نجد انخفاضا في سعره عالميا، حيث وصل سعره في المعاملات الفورية إلى 1980.89 دولار للأونصة في بورصة لندن، بينما استقرت عقود الذهب الأمريكية الآجلة عند 1990.20 دولار أمريكي، وهذا بعد أن وصل سعر الأوقية عالميا إلى حوالي 2018 دولار في بداية إبريل.
وعلى النقيض، نرى ارتفاعا يوميا في أسعار الذهب داخل مصر حتى أصبح سعر جرام الذهب المصري الأعلى عالميا إذا ما قارناه بالسعر العالمي للأونصة..
حيث اقترب سعر جرام الذهب عيار 24 في مصر من حاجز الـ3000 جنيه بشكل غير مسبوق.
ولكي نتبين حقيقة ما يحدث لابد أن نبدأ أولا بالإجابة على السؤال البديهي وهو..
الدهب بيغلى إزاي؟
ما الأسباب التي تؤدي لزيادة أسعار الذهب عموما؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل، لابد أن نذكر بعض الأسس المالية، وهي حقيقة أنه توجد قيمتان لأي سلعة:
- القيمة الحقيقية وهي تمثل مقدار الاستفادة التي يمكن تحقيقها من استهلاك سلعة معينة وغالبًا ما يطلق عليها البعض القيمة العادلة.
- القيمة السوقية، وهي السعر الذي يتم به تداول هذه السلعة في الأسواق بين المتعاملين.
في الظروف المثالية تكون القيمة العادلة أو الحقيقية هي نفسها القيمة السوقية، حيث يقوم المشتري بدفع القيمة التي يحصل عليها من منفعة كسعر للسلعة والأمر نفسه للبائع الذي يدرك قيمة هذه السلعة مثل المشتري.
إلا أنه في الواقع الفعلي نادرًا ما تتساوى هاتان القيمتان بسبب ظروف العرض والطلب التي تؤثر على قيمة السلع.
- فإذا كان المعروض من السلعة أكبر من الطلب سنجد القيمة السوقية للسلعة أقل من القيمة العادلة
- وإذا حدثت ندرة في السلعة سنجد القيمة السوقية لها أكبر من القيمة العادلة
ولكن من المعروف أنه دائما وأبدا تعود الأسعار إلى حالة التوازن بين القيمة العادلة والقيمة السوقية، ويرجع ذلك إلى المصطلح الاقتصادي المعروف باسم “المرونة السعرية” وهي، بشكل مبسط، عبارة عن رد فعل المتعاملين في السوق للتغير في الأسعار. وسنأتي لهذا لاحقا.
الذهب مثله مثل أي سلعة أخرى يخضع لنفس القوانين التي ذكرناها، إلا أن حالة الذهب يؤثر فيها أيضا عوامل أخرى مثل سعر صرف الدولار وكونه مخزن للقيمة وإحدى أهم وسائل التحوط في الأزمات الاقتصادية، مما يخلق نوعا جديدا من الطلب على الذهب يُسمى بالـ”الطلب الاستثماري” أي الطلب الذي يركز فيه المستثمرون على تحقيق ربح من خلال ارتفاع سعر قيمته وإعادة بيعة بقيمة أعلى.
ولأن الذهب سلعة استثمارية، يوجد طلب آخر عليها يمكن تسميته بالطلب لغرض المضاربة؛ أي أنه يتم شراء الذهب بغرض التربح من الاستفادة بفرق حركة الأسعار بالسوق بصرف النظر عن قيمته الحقيقية، وهو ما يدفع إلى حقيقة أنه في حال ارتفاع سعر الذهب قد يقبل بعض المضاربين الذين يتوقعون المزيد من الاستمرار في ارتفاع أسعاره للشراء مع توقعهم بتحقيق أرباح ناتجة عن فروق السعر في المستقبل.
يبقى السؤال هنا.. إيه اللي مخلي سعر الذهب في مصر بالشكل ده؟
لماذا تتصاعد أسعار الذهب في مصر بشكل جنوني؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أولا أن نلقي نظرة على الوضع الاقتصادي الحالي ومنه يمكننا أن نفهم لماذا نجد هذه الارتفاعات السعرية “غير المبررة” على حد تصريحات مسؤولي”شعبة الذهب في الاتحاد العام للغرف التجارية”.
أولا: استقرار نسبي في سعر صرف الدولار، فمنذ أخر تحريك لسعر الصرف في يناير الماضي لم نر هزات قوية للدولار الذي استقر عند مستوى من 30 إلى 31 جنيها، ولكن حتى مع الزيادة في سعر صرف الدولار فمن المعروف تاريخيا أنه يوجد علاقة عكسية بين الدولار وسعر الذهب بمعنى أنه متى ارتفع سعر صرف الدولار يقل سعر الذهب والعكس صحيح.
ثانيا: ارتفاع الطلب على الذهب كوسيلة للاستثمار من قبل أصحاب رؤوس الأموال مع ضعف الخيارات المعتادة الأخرى كالعقارات وشهادات الاستثمار، فلم يعد السوق العقاري مصدر جذب في ظل حالة الركود التي يمر بها وضعف الإقبال على الشراء، وكذلك الحال مع شهادات الاستثمار فلا توجد حاليا شهادات مطروحة تقدم فوائد عالية يمكنها جذب رؤوس الأموال مثل شهادات الـ25% التي طرحاها بنكي مصر والقاهرة يناير الماضي وأوقفا طرحها بعدها بأسبوعين بعد أن جذبا ما يقارب 400 مليار جنيه من السيولة المتداولة في السوق.
ثالثا: ارتفاع السيولة النقدية المتداولة في السوق، ففي مارس الماضي بدأ الآلاف من المواطنين في استرداد قيم ودائعهم في البنوك والتي كانوا قد ربطوها بشهادات الـ18% في مارس الماضي وحان ميعاد استحقاقها.
رابعا: التضخم حيث واصل التضخم في المدن المصرية ارتفاعه إلى 32.7% في مارس على أساس سنوي من 31.9% في فبراير، ومن المعروف أن الذهب من بين أفضل وسائل التحوط ضد التضخم.
خامسا: ثبات كمية الذهب المتواجدة لدى التجار بالأسواق بسبب وقف استيراد الذهب الخام، وخضوع عملية التسعير لتجار الخام الجملة ويتم تسعيره حاليا بناءً على العرض والطلب.
مع اعتبار كافة العوامل السابقة المذكورة، نستنتج بشكل واضح أن الطلب على الذهب أعلى بكثير من المعروض منه، بالإضافة إلى التوسع في نشاط المضاربة بين المستثمرين مما تسبب في الزيادة المضطردة في سعره.
ولكن هل ستستمر تلك الزيادات،
أم أن ما نراه فقاعة ذهب ومسيرها تفرقع؟!
متى شهد العالم فقاعة الذهب؟
على عكس المتعارف عليه، منحنى الذهب ليس دائم الصعود وكثيرا ما شهد العالم فقاعات سعرية مرتبطة بالمعدن النفيس وفيها يتزايد سعر الذهب بشكل حاد ثم تليه فترة انهيار بنفس الحدة..
تكرر هذا النمط عدة مرات أثناء العديد من الأزمات الاقتصادية السابقة، على سبيل المثال شهد العالم فقاعة الذهب في أزمة الدوت كوم في بداية الألفية وأزمة 2008 الاقتصادية وانتشار كورونا في 2020،
وفي جميعهم يتكرر نفس النمط التالي:
المرحلة الأولى حين تحدث أزمة اقتصادية فيهرع المستثمرون إلى الذهب لحفظ أموالهم كملاذ آمن مما يدفع أسعاره للارتفاع بسبب زيادة الطلب.
ثم يتبع ذلك المرحلة الثانية حين يسارع المضاربون للاستفادة من الزيادة السعرية وتحقيق الأرباح من خلال شراء الذهب بهدف إعادة بيعه بسعر أعلى في المستقبل فيرتفع السعر أكثر..
ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة المبالغة والتوسع في المضاربة حين يسعى الجميع لتحقيق الأرباح من خلال المضاربة على الذهب وتنتقل عدوى المضاربة من شخص لآخر، فييزيد الطلب أكثر وأكثر على الذهب بينما تستمر الأسعار في الارتفاع محققة أرباحًا لمن ضاربوا تسهم في تكرار ذات الدورة مرة أخرى..
ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي مرحلة جني الأرباح وهي تحدث نظرًا لتوسع الفجوة بشكل كبير جدًا بين القيمة العادلة وبين القيمة السوقية للذهب، حينها يبدأ المضاربون في جني الأرباح وبيع ما يملكوه من ذهب محدثين انخفاضًا مفاجئًا في الأسعار بسبب زيادة العرض..
وهنا تأتي المرحلة الخامسة والتي تسمى مرحلة الذعرpanic وهي المرحلة التي يتسبب فيها الانخفاض المفاجئ في أسعار الذهب في ذعر المشترين حديثًا بهذه الأسواق، مما يجعلهم يتسارعون في بيعه، وبالتالي حدوث انهيار مفاجئ في سعر الذهب إلى درجة من الممكن أن تصل إلى أقل من القيمة الحقيقية له وأقل من المستويات المسجلة له قبل الأزمة.
وبعد كل اللي فات السؤال اللي بيطرح نفسه..
هل اللي بيحصل في مصر حاليا هو تكرار لنفس الفقاعة؟
فقاعة الذهب المصرية
لا يمكن القطع بإجابة محددة على هذا السؤال، ولكن ما يمكن تأكيده من خلال تحليلات الاقتصاديين وآراء الخبراء هو التالي:
- القيمة السوقية للذهب في مصر حاليا أعلى من قيمته الحقيقية بمراحل
- المضاربات هي السبب الرئيسي في الارتفاع المتزايد في سعر الذهب
- لا يوجد ما يبرر أن يكون سعر الذهب داخل مصر أعلى من نظيره عالميا
- هناك تلاعب واضح في أسعار الذهب في السوق المحلية من قبل بعض التجار والمستثمرين
إذن نحن أمام أزمة تسعيرية كبيرة في الذهب.. ولكن هل سيستمر الوضع؟
بالتأكيد لا، فكما شرحنا سابقا لا يمكن أن تستمر الفجوة بين القيمة السوقية والقيمة الفعلية للذهب، وأيضا لابد أن تصل الدورة الاقتصادية للذهب لمرحلة التشبع فلا يمكن أن يستمر الطلب بهذه الكثافة، فالسيولة النقدية اللازمة للإبقاء على حركة الشراء أعلى من البيع لابد لها ان تنتهي آجلا أم عاجلا.
كما أنه منطقيا لابد للمضاربين أن يصلوا لمرحلة جني الأرباح، مما سينتج عنه تبعات تؤدي لانخفاض السعر كما شرحنا سابقا…
يعني من الآخر.. الذهب زي ما بيرتفع زي ما هينزل ولكنها مسألة وقت وصبر..
يبقى..
متقلقش